الأحد، 11 أكتوبر 2015

أَسْبَاب رَفْعِ عُقُوبَةِ الذُّنُوب



الحَمْدُ لله غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ العِقَاب، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ وَأَسْأَلُهُ المَزِيدَ مِنَ فَضْلِهِ وَكَرَمِه، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَاب، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَه، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُه وَرَسُولُه المُخْتَارُ مِنْ أَشْرَفِ الأَنْسَاب، صَلَّى الله وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى الآلِ وَالأَصْحَاب، وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ المَآب.
أَمَّا بَعْدُ:
إِخْوَانِي فِي الله إِنِّي أُحِبُّكُمْ فِي الله.
إِنَّ المُسلم وهو يعيشُ في هذه الحياة لابُدَّ له مِنْ قارب النَّجَاة في ظِلِّ تَلَاطُم أَمْوَاج الفِتَن وهبوب رِيَاح المِحَن، وَلَا يَكُون هَذا إِلَّا بِالفِرَار إِلى الله الوَاحِد القَهَّار: ﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ[الذاريات:50].
فَيَجْنِي العَبْدُ بِذَلِك ثَمَرَاتٍ طَيِّبَة: فِي الدُّنْيا الأَمَان وَ الاسْتِقْرَار، وَفِي الآخرة بإذن الله: ﴿ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ[آل عمران:15].
 لَكِنَّ بَعْضَ إِخْوَانِنَا مِمَّن غَرِقَ فِي بِحَار الشَّهَوَات، وَوَقَعَ فِي المُحَرَّمَات إِذَا نُصِح  و ذُكِّرَ قال: (جَهَنَّمَ لِمَنْ انْدَارَتْ) =( لِمَنْ خُلِقَتْ) بمعنى يجزم أنَّه مِنْ أَهْلِ النَّار..
كَلَّا أَخِي الحبيب إِنَّهَا لَمْ تُخْلَق لَك (كَمَا تَقُول) فَأَنْتَ مِنَ المُوَحِّدِين.. مِنَ المُسْلِمِين.. إِنَّهَا مَآل الكَافِرِين وَالمُشْرِكِين وَ المُنَافِقِين...
فَالْتَحِق بِقَوَافِل العَائِدِين التَّائِبِين المُسْتَغْفِرِين، و أَحْسِن الظَنَّ بِأَرْحَمِ الرَّاحِمِين، لِتَكُونَ مِنْ أَهْل جَنَّات رَبِّ العَالَمِين..
هَيَّا إِلَى بَرِّ الأَمَان..إِلَى حَيَاةِ الاسْتِقَامَة وَالإِيمَان..وَتَذَكَّر دَائِمًا وَ أَبَدًا أَنَّ رَحْمَةَ الله وَاسِعَة، قال تعالى:﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ[الأعراف:156].
فبين يَدَيْك أسبابٌ ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال عنها:« دَلَّتْ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ: عَلَى أَنَّ عُقُوبَةَ الذُّنُوبِ تَزُولُ عَنْ الْعَبْدِ بِنَحْوِ عَشَرَةِ أَسْبَابٍ » «مجموع الفتاوى» (7/487).
وقال أيضا:« وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّ لَهُمْ ذُنُوبًا فَالذُّنُوبُ لَا تُوجِبُ دُخُولَ النَّارِ مُطْلَقًا إلَّا إذَا انْتَفَتْ الْأَسْبَابُ الْمَانِعَةُ مِنْ ذَلِكَ وَهِيَ عَشْرَةٌ»«مجموع الفتاوى» (4/432).
ـ وَذَكَرَها كذلك الإمامُ ابنُ القَيِّم رحمه الله فِي «الصَوَاعِق المُرْسَلَة عَلَى الجَهْمِيَّة وَالمُعَطِّلَة» (2/691).
ـ والعلاَّمة ابن أَبِي العِزِّ الحَنَفِي رحمه الله فِي شرحه للطَّحَاوِيَّة (ص262).
ـ والعلَّامة عبد الرَّحمن السَّعدي رحمه الله فِي «تَيْسِير الكَرِيم الرَّحْمَن فِي تَفْسِير كَلَام المَنَّان» (ص181) وغيرهم.
فعزمتُ على تَقْرِيب مَعَانِيهَا وَتَوْضِيحِ مَا جَاءَ فِيهَا، عَسَى الله أَنْ يَنْفَعَ بِهَا قَارِئَهَا وَ كَاتِبَهَا، وَالله وَلِيُّ التَّوْفِيق.
1/التَّوْبَةُ: «هِيَ الرُّجُوعُ مِمَّا يَكْرَهُهُ الله ظَاهِرًا وَبَاطِنًا إِلَى مَا يُحِبُّهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنا» « مَدَارِجُ السَّالِكِين» (1/360).
وَ« يَجْمَعُهَا أَرْبَعَةُ أَشْيَاء : الاسْتِغْفَار بِاللِّسَان، وَالإِقْلَاعُ بِالأَبْدَان، وَإِضْمَارُ تَرْكِ العَوْد بِالجَنَان، وَمُهَاجَرَةُ سَيِّءِ الإِخْوَان» « المرجع السابق»(1/310).
قال الله تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)   [الزُّمَر].
وقال سبحانه: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25)[الشورى].
عن أَنَس بن مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: « قَالَ اللَّهُ : يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً » رواه الترمذي (3540)، وحسَّنه الألباني فِي «السلسلة الصحيحة» (127).
أمَّا شُروط التَّوبة أخي التَّائب، فَيَقُول العُلَماء:« التَّوْبَةُ وَاجبَةٌ مِنْ كُلِّ ذَنْب، فإنْ كَانتِ المَعْصِيَةُ بَيْنَ العَبْدِ وبَيْنَ اللهِ تَعَالَى لاَ تَتَعلَّقُ بحقّ آدَمِيٍّ فَلَهَا ثَلاثَةُ شُرُوط:
أحَدُها: أنْ يُقلِعَ عَنِ المَعصِيَةِ.
والثَّانِي: أَنْ يَنْدَمَ عَلَى فِعْلِهَا.
والثَّالثُ: أنْ يَعْزِمَ أَنْ لا يعُودَ إِلَيْهَا أَبَداً» «رياض الصالحين من حديث سيد المرسلين ص49».
2/الاسْتِغْفَارُ: « هُوَ طَلَبُ المَغْفِرَة، وَهُوَ مِنْ جِنْسِ الدُّعَاء وَالسُّؤَال، وَهُوَ مَقْرُونٌ بِالتَّوْبَةِ فِي الغَالِب وَمَأْمُورٌ بِه؛ لَكِنْ قَدْ يَتُوبُ الإِنْسَان وَلَا يَدْعُو، وَقَدْ يَدْعُو وَلَا يَتُوب»«منهاج السنة النبوية»(6/132).
«إنَّ للاسْتِغْفَار مَكَانَةً فِي الدِّين عَظِيمَة، وَلِلْمُسْتَغِفِرِين عِنْدَ الله أُجُوراً كَرِيمَة، وَثِمَارُ الاسْتِغْفَار وَنَتَائِجُه الحَمِيدةُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة لَا يُحْصِيهَا إِلاَّ الله، وَلِهَذَا كَثُرَت النُّصُوصُ القُرْآنِيَّة وَالأَحَادِيثُ النبويةُ المُرْشِدَةُ إِلَى الاسْتِغْفَار، وَالحَاثَّةُ عَلَيْه، والمُبَيِّنةُ لِفَضْلِه وَعَظِيمِ أَجْرِه»«فقه الأدعية والأذكار»(2/502).
قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا[النساء].
عَنْ عَبْدِ الله بن بُسْر رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله : « طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ فِي صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفَارًا كَثِيرًا» رواه ابن ماجة (3818)، وصحَّحَهُ الألباني فِي «صحيح الجامع» (3930).
وَ عَنْ بِلَال بن يَسَار بن زَيْد، عَنْ أَبِيه، عَنْ جَدِّه: أنَّه سَمِعَ النَّبِيَّ يَقُولُ: «مَنْ قَالَ: أَسْتَغْفِرَ الله الَّذِي لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَيّ القَيُّوم وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، غُفِرَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ » رواه أبو داود (1517)، والترمذي (3577)، و صحَّحَهُ الألباني فِي «صحيح أبي داود» (1358).
3/الحَسَنَاتُ المَاحِيَةُ:
قال الله تعالى: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)  [هود].
«فَهَذِهِ الصَّلَوَاتُ الخَمْس، وَمَا أُلْحِقَ بِهَا مِنَ التَطَوُّعَات مِنْ أَكْبَرِ الحَسَنَات، وَهِيَ: مَعَ أَنَّهَا حَسَنَاتٌ تُقَرِّبُ إِلَى الله، وَتُوجِبُ الثَّوَاب، فَإِنَّهَا تُذْهِبُ السَّيِئَات وَتَمْحُوهَا»«تيسير الكريم الرحمن» (ص391).
عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قال: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ :« اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» رواه الترمذي (2115)، وحسَّنَه الألباني فِي «صحيح الجامع» (97).
قال شيخنا العلامة عبد المحسن العباد حفظه الله:« قَوْلُه: " وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا "، عِنْدَمَا يَفْعَلُ المَرْءُ سَيِّئةً فَإِنَّهُ يَتُوبُ مِنْهَا، وَالتَّوْبَةُ حَسَنَة، وَهِيَ تَجِبُّ مَا قَبْلَهَا مِنَ الكَبَائِر وَالصَّغَائِر، وَيَكُون أَيْضًا بِفِعْلِ الحَسَنَات، فَإنَّها تَمْحُو الصَّغَائِر »« فتح القوي المتين » (ص60).
4/دُعَاءُ المُؤْمِنِينَ وَاسْتِغْفَارُهُمْ فِي الحَيَاةِ وَبَعْدَ المَمَات:
قال الله تعالى:﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)[الحشر].
عن عَوْف بن مَالِكٍ رضي الله عنه يَقُولُ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ عَلَى جَنَازَةٍ فَحَفِظْتُ مِنْ دُعَائِهِ وَهُوَ يَقُولُ: « اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ، وَأَهْلاً خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ أَوْ مِنْ عَذَابِ النَّارِ ».
 قَالَ: «حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ أَنَا ذَلِكَ الْمَيِّتَ»رواه مسلم (963).
وَقَدْ حَثَّنَا نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ على الاستغفار للمؤمنين، وَرُتِّبَ على ذلك أجرٌ عظيمٌ وثوابٌ كريمٌ، فقال:«مَنْ اسْتَغْفَرَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ كَتَبَ الله لَهُ بِكُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ حَسَنة »«صحيح الجامع» (6026).
5/ مَا يُعْمَلُ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ عَمَلِ البِرّ:  (أي بعد موته):
«وَالدَّلِيلُ عَلى انْتِفَاعِ المَيِّتِ بِغَيْرِ مَا تَسَبَّبَ فِيهِ، الكِتَابُ وَالسُنَّةُ وَالإِجْمَاعُ وَالقِيَاسُ الصَّحِيح»«شرح العقيدة الطحاوية»(ص386).
وَ أَمَّا الأَعْمَالُ الَّتِي يَنْتَفِعُ بِهَا:
أ/ الدُّعَاءُ وَ الاسْتِغْفَارُ:
قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)[الحشر].
عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: « اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ وَسَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ » رواه أبو داود (3223)، وصحَّحَه الألباني فِي «صحيح الجامع» (947).
ب/ الصَّدَقَةُ:
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِيِّ إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا، وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، فَهَلْ لَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟
 قَالَ: « نَعَمْ » رواه البخاري (1388)، ومسلم (1004).
قوله رضي الله عنه:« إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا » «أي ماتت فَجأة وأُخِذَت نفْسُها فَلْتَة»« النهاية في غريب الحديث والأثر» (ص499).
ج/ قَضَاءُ الدَّيْنِ:
عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ، لِيُصَلِّيَ عَلَيْهَا، فَقَالَ:« هَلْ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ؟ »
 قَالُوا لاَ .
فَصَلَّى عَلَيْهِ ، ثُمَّ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ أُخْرَى ، فَقَالَ: « هَلْ عَلَيْهِ مَنْ دَيْنٍ ؟» .
 قَالُوا نَعَمْ .
 قَالَ « صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ ».
قَالَ أَبُو قَتَادَةَ :عَلَيَّ دَيْنُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ .
 فَصَلَّى عَلَيْهِ» رواه البخاري (2295).
د/ الصَوْمُ:
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: « مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ » رواه البخاري (1952)، ومسلم (1147).
هـ/ الحَجُّ وَالعُمْرَةِ:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﭭ  أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ، فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟
 قَال:َ « نَعَمْ، حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَةً؟ اقْضُوا اللَّهَ، فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ » رواه البخاري (1852).
تَنْبِيهٌ:« وَأَمَّا اسْتِئْجَارُ قَوْمٍ يَقْرَؤُون القُرْآن وَيَهْدُونَهُ لِلْمَيِّتِ، فَهَذَا لَمْ يَفْعَلْهُ أَحَدٌ مِنَ السَّلَف، وَلَا أَمَرَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّين، وَلَا رَخَّصَ فِيه.
 وَالاسْتِئْجَارُ عَلَى نَفْسِ التِّلَاوَة غَيْرُ جَائِزٍ بِلَا خِلَافٍ...وَالثَّوَابُ لَا يَصِلُ إِلَى المَيِّتِ إِلَّا إِذَا كَانَ العَمَلُ لله ، وَهَذَا لَمْ يَقَعْ عِبَادَةً خَالِصَةً ، فَلَا يَكُونُ لَهُ مِنْ ثَوَابِه مَا يُهْدَى إِلَى المَوْتَى ! ! وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّهُ يُكْتَرَي مِنْ يَصُومُ وَيُصَلِّي وَيَهْدِي ثَوَابَ ذَلِكَ إِلَى المَيِّت»«شرح العقيدة الطحاوية»(ص389).
6/ شَفَاعَةُ النَّبِيِّ وَغَيْرِه فِي أَهْلِ الذُّنُوبِ يَوْمَ القِيَامَةِ:
الشَّفَاعَةُ: «هِيَ سُؤَالُ الخَيْرِ لِلْغَيْرِ أَوْ هِيَ التَّوَسُّطُ لِلْغَيْرِ بِجَلْبِ مَنْفَعَةٍ أَوْ دَفْعِ مَضَرَّة»«معجم التوحيد» (2/500).
أ/شَفَاعَةُ النَّبِيِّ : عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: « كُلُّ نَبِيِّ سَأَلَ سُؤْلاً - أَوْ قَالَ لِكُلِّ نَبِيِّ دَعْوَةٌ قَدْ دَعَا بِهَا - فَاسْتُجِيبَ ، فَجَعَلْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ » رواه البخاري (6305)، ومسلم (198).
«أَخَّرَ نَبِيُّنَا دَعْوَتَهُ لِيَجْعَلَهَا شَفَاعَةً لِأُمَّتِهِ لِفَضْلِ شَفَقَتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَرَأْفَتِهِ بِأُمَّتِهِ فَجَزَى الله نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا أَفْضَلَ مَا جَزَى رَسُولًا»«كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل»(2/622).
وَ شَفَاعَتُهُ أَنْوَاعٌ:
1 - الشَّفَاعَةُ العُظْمَى لِفَصْلِ القَضَاء يَوْمَ القِيَامَة.
2 - الشَّفَاعَةُ فِي أَقْوَامٍ قَدْ تَسَاوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ.
3 - الشَّفَاعَةُ فِي أَقْوَامٍ أُمَرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ أَنْ لَا يَدْخُلُوهَا.
4 - الشَّفَاعَةُ فِي رَفْعِ دَرَجَاتِ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّة.
5 - الشَّفَاعَةُ فِي أَقْوَامٍ أَنْ يَدْخُلُوا الجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ.
6 - شَفَاعَتُهُ فِي تَخْفِيفِ العَذَابِ عَمَّنْ يَسْتَحِقُّهُ، كَشَفَاعَتِهِ فِي عَمِّهِ أَبِي طَالِب أَنْ يُخَفِّفَ عَنْهُ عَذَابَه.
7 شَفَاعَتُهُ  لِأَنْ يُؤْذَنَ لِجَمِيعِ المُؤْمِنِينَ بِدُخُولِ الجَنَّة.
8 - شَفَاعَتُهُ فِي أَهْلِ الكَبَائِر مِنْ أُمَّتِهِ مِمَّنْ يَدْخُلُ النَّارَ فَيَخْرُجُونَ مِنْهَا «شرح العقيدة الطحاوية»(ص173).
ب/ شَفَاعَةُ المَلَائِكَةِ وَالأَنْبِيَاءِ وَ المُؤْمِنِينَ:
عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ قَالَ:«.. فَيَقُولُ اللَّهُ تعالى  شَفَعَتِ الْمَلاَئِكَةُ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ قَدْ عَادُوا حُمَمًا فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهْرٍ فِي أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ نَهْرُ الْحَيَاةِ، فَيَخْرُجُونَ كَمَا تَخْرُجُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ» رواه مسلم (183).
7/المَصَائِبُ الَّتِي يُكَفِّر الله بِهَا الخَطَايَا:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: « مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ، وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ » رواه البخاري (5641) ومسلم (2570).
وعَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ أَنَّهُ رَاحَ إِلَى مَسْجِدِ دِمَشْقَ وَهَجَّرَ بِالرَّوَاحِ فَلَقِيَ شَدَّادَ بْنَ أَوْسٍ وَالصُّنَابِحِيُّ مَعَهُ فَقُلْتُ أَيْنَ تُرِيدَانِ يَرْحَمُكُمَا اللَّهُ ؟
قَالَا: نُرِيدُ هَاهُنَا إِلَى أَخٍ لَنَا مَرِيضٍ نَعُودُهُ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُمَا حَتَّى دَخَلَا عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ فَقَالَا لَهُ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟
 قَالَ: أَصْبَحْتُ بِنِعْمَةٍ.
 فَقَالَ لَهُ شَدَّادٌ: أَبْشِرْ بِكَفَّارَاتِ السَّيِّئَاتِ وَحَطِّ الْخَطَايَا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ تعالى يَقُولُ: إِنِّي إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنًا فَحَمِدَنِي عَلَى مَا ابْتَلَيْتُهُ فَإِنَّهُ يَقُومُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ مِنْ الْخَطَايَا، وَيَقُولُ الرَّبُّ عز وجل أَنَا قَيَّدْتُ عَبْدِي وَابْتَلَيْتُهُ وَأَجْرُوا لَهُ كَمَا كُنْتُمْ تُجْرُونَ لَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ» رواه أحمد (17118)، وحسَّنَهُ الألباني في «السلسلة الصحيحة» (1611).
8/ مَا يَحْصُلُ فِي القَبْرِ مِنَ الفِتْنَةِ وَ الضَّغْطَةِ وَ الرَّوْعَةِ فَإِنَّ هَذَا مِمَّا يُكَفَّرُ بِهِ الخَطَايَا:
إِذَا وُضِعَ المَيِّتُ فِي قَبْرِهِ فَإِنَّهُ يُضَمُّ ضَمَّةً لَا يَنْجُو مِنْهَا أَحَدٌ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، صَالِحًا أَوْ طَالِحًا.
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: « إِنَّ لِلْقَبْرِ ضَغْطَةً وَلَوْ كَانَ أَحَدٌ نَاجِياً مِنْهَا نَجَا مِنْهَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ » رواه أحمد (25015)، وصحَّحَه الألباني فِي «صحيح الجامع» (2180).
9/ أَهْوَالُ يَوْمِ القِيَامَةِ وَ كَرْبُهُا وَ شَدَائِدُهَا:
إِنَّ الله تعالى لَمْ يَخْلُقْ النَّاسَ سُدًا، وَ لَمْ يَتْرُكْهُمْ هَمَلًا، وَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ، قال تعالى: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)   [المؤمنون].
فَيَقِفُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ جَلَّ جَلَالُه، وَيُحَاسِبُهُمْ عَلَى مَا قَدَّمُوهُ مِنْ أَعْمَالٍ، وَسَيُلَاقِيهِمْ فِي ذَلِكَ اليَوم أَهْوَلًا وَ كَرْبًا وَ شَدَائِدَ، «وَدُعَاءُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ» رواه البخاري (6573)، ومسلم (182).
﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ﴾ فِي يَوْمٍ هَائِلٍ عَظِيمٍ، يَوْمَ تَكْثُرُ فِيهِ الغُمُوم وَتعْظُمُ فِيهِ الهُمُوم، وَيَفْصِلُ الرَّبُ بَيْنَ عِبَادِهِ وَهُوَ الحَيُّ القَيُّومُ.
 ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ﴾ يَوْمَ تَنْدَمُ عَلَى القَبَائِح، وَتَتَأَسَّفُ عِنْدَ مُعَايَنَةِ الفَضَائِحْ، وَتَجِدُ الأَعْمَالَ فِي الصَّحَائِفِ الصَحَائِح..» «بستان الواعظين ورياض السامعين» (ص 93).

10/ رَحْمَةُ الله وَ عَفْوُهُ وَمَغْفِرَتُهُ بِلَا سَبَبٍ مِنَ العِبَاد:
فَإِنَّ الله أَرْحَمُ الرَّاحِمِين، وَ أَحْكَمُ الحَاكِمِين، قَالَ سُبْحَانَه: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)  [النساء:48].
قَالَ الإِمَامُ ابنُ كَثيِر رحمه الله فَهَذِه الآيةُ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ الذُّنُوبِ مَا عَدَا الشَّرْك»«تفسير القرآن العظيم»(2/380).
«فَمَنْ تَحَقَّقَ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ قَلبُه، أَخْرَجَتْ مِنْهُ كُلَّ مَا سِوَى الله مَحَبَّةً وَتَعْظِيماً وَإِجْلَالاً وَمَهَابَةً، وَخَشْيَةً، وَرَجَاءً وَتَوَكُّلاً، وَحِينَئِذٍ تُحْرَقُ ذُنُوبُهُ وَخَطَايَاهُ كلُّها وَلَوْ كَانَتْ مِثلَ زَبَدِ البَحْر، وَرُبَّمَا قَلَبَتْهَا حَسَنَاتٍ»«جامع العلوم والحكم»(ص398).
وَفِي الخِتَام:
إِلَهِي: إِنَّ ظُلْمَةَ ظُلْمِنَا لِأَنْفُسِنَا قَدْ عَمَّتْ، وَبِحَارُ الغَفْلَةِ عَلَى قُلُوبِنَا قَدْ طَمَّتْ؛ فَالعَجْزُ شَامِل، وَالحَصْرُ حَاصِلْ، وَالتَّسْلِيمُ أَسْلَم، وَأَنْتَ بِالحَالِ أَعْلَم.
اللَّهُمْ اغْفِرْ لَنَا مَا عَلِمْت، وَلَا تَهْتِكْ مَا سَتَرْت.
فَارْحَمْ عَبْدًا غَرَّهُ طُولُ إِمْهَالِكْ، وَأَطْمَعَهُ كَثْرَةُ أَفْضَالِكْ، وَذَلَّ لِعِزِّكَ وَجَلَالِكْ، وَمَدَّ أَكُفَّهُ لِطَلَبِ نَوَالِكْ، وَلَوْلَا هِدَايَتك لَمْ يَصِلْ إِلَى ذَلِك» من خاتمة «فتح الباري بشرح صحيح البخاري» (13/661) بتصرف يسير.
وَصَلَّى الله عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَ عَلَى آله وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين.







0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
© 2009/ 11/25 *هذا القالب من تصميمى * ورود الحق