«قال علي بن الحسين: كان لنا جار
من المتعبدين قد برز في الاجتهاد، فصلى حتى تورمت قدماه، وبكى حتى مرضت عيناه، فاجتمع
إليه أهله وجيرانه ؛ فسألوه أن يتزوج.
فاشترى جارية، وكانت تغني وهو لا يعلم، فبينا هو
ذات يوم في محرابه يصلي رفعت الجارية صوتها بالغناء.
فطار لبه، فرام ما كان عليه من العبادة فلم يطق.
فأقبلت الجارية عليه، فقالت: يا مولاي لقد أبليت
شبابك، ورفضت لذات الدنيا أيام حياتك، فلو تمتعت بي.
فمال إلى قولها واشتغل باللذات، عما كان فيه من التعبد؛
فبلغ ذلك أخا له كان يوافقه على العبادة، فكتب إليه:
بسم الله الرحمن الرحيم
من الناصح الشفيق، والطبيب الرفيق، إلى من سلب حلاوة
الذكر، والتلذذ بالقرآن والخشوع والأحزان، بلغني أنك اشتريت جارية، بعت بها من الآخرة
حظك، فإن كنت بعت الجزيل بالقليل، والقرآن بالقيان، فإني محذرك هادم اللذات، ومنغص
الشهوات، وموتم الأولاد ، فكأنه قد جاء على غرة، فأبكم منك اللسان، وهدم منك الأركان،
وقرب منك الأكفان، واحتوشك الأهل والجيران، وأحذرك من الصيحة إذا جثت الأمم لهول ملك
جبار، فاحذر يا أخي ما يحل بك من ملك غضبان.
ثم طوى الكتاب، وأنفذه إليه؛ فوافاه الكتاب وهو في
مجلس سروره، فغص بريقه، وأذهله ذلك؛ فنهض مبادرا من مجلس سروره، وكسر آنيته، وهجر جاريته،
وآلى أن لا يطعم الطعام، ولا يتوسد المنام.
قال الذي وعظه: فلما مات رأيته في المنام بعد ثلاث؛
فقلت: ما فعل الله بك؟
قال: قدمنا على رب كريم، أباحنا الجنة وقال:
الله عوضني
ذو العرش جارية * حوراء تسقيني طورا وتهنيني
تقول لي
اشرب بما قد كنت تأملني * وقر عينا مع الولدان والعين
يا من
تخلى عن الدنيا وأزعجه * عن الخطايا وعيد في الطواسين
[التوابين ص 259]
0 التعليقات:
إرسال تعليق